Loading...
رئيس مجلس الإدارة
د.حاتم صادق

المصرى اون لاينبوابة خبرية متخصصة

رئيس التحرير
قدري الحجار

هل تستفيق أوروبا من غفلتها؟
الدكتور حاتم صادق

الدكتور حاتم صادق

بعد ما يقرب من عام ونصف العام من الحرب الروسية الأوكرانية، بدات الدول الأوروبية تشعر وكأنها مجرد صفر في معادلة هذا الصراع ، على الأقل بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية التي نجحت كالعادة في تحويل التحديات والأزمات الى فرص لجنى الكثير من المال خاصة اذا كان الأمر يتعلق بشركات صناعة الأسلحة في أمريكا التي يعتمد عليها في تحقيق الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية هناك.

والحقائق على الأرض هي التي تتحدث عن نفسها ، وبالفعل فإن الدول الأوروبية هي وحدها من تحملت التكلفة الباهظة لهذه الحرب، بينما احتفظت واشنطن بنفسها لمعظم المكاسب المادية والسياسية، وبحسب تقارير إعلامية غربية فان المواطن في دول الاتحاد الأوروبي خسر تقريبا اكثر من ثلث دخله بسبب سياسات حكوماته المؤيدة لاوكرانيا، في الوقت الذى تحسن فيه دخل المواطن في أمريكا بنسبة 10 الى 15 في المائة نتيجة زيادة اعتماد الأوروبيين على عوائد نفط الشركات التعدين الامريكية العاملة في منطقة الخليج.

فبحسب آخر إحصائية أوردتها مؤسسات مالية أوروبية، فإن الخسائر الأوروبية جراء العملية العسكرية الروسية وصلت إلى تريليوني دولار، وتأثيرات الحرب الروسية الأوكرانية، على أوروبا امتدت إلى مجمل القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والغذائية مع تعميق الفجوة بين العرض والطلب وارتفاع أسعار الطاقة وتصاعد نسب التضخم بغير متوقع.

وعلى مدار عام دعا القادة الأوروبين مواطنيهم إلى ترشيد استهلاك الطاقة، فضلًا عن تكرار مشاهد إغلاق الكهرباء عن مؤسسات حكومية في فرنسا وألمانيا وهولندا وإسبانيا وغيرها من الدول.

ولا يقتصر الضرر الذي لحق أوروبا على ارتفاع كلفة توفير الغاز، حيث بدأت تظهر أكثر من 6 أشهر بوادر ضرر كساد الاقتصاد وارتفاع معدلات التضخم إلى مستوى مؤلم في ظل مخاطر إفساد جهود الانتعاش الاقتصادي للاتحاد الأوروبي في المستقبل المنظور مع انخفاض النمو السنوي وتسجيل تضخم قياسي.

وادى ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء وندرة وجودها في أحيان كثيرة في الدول الأوروبية أدى إلى خروج العديد من المظاهرات في العواصم الأوروبية للمطالبة برفع الرواتب، كما طالت الإضرابات مؤسسات النقل في فرنسا وألمانيا ودول أوروبية أخرى، مما يعكس مدى الهزة التي تعرضت لها الاقتصادات الأوروبية نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية".

وبدون شك فان الأزمة الأوكرانية هى الأخطر على الساحة الدولية منذ انتهاء الحرب الباردة في مطلع تسعينيات القرن العشرين، لأنها تنطوي على تهديد بنشوب صراع واسع النطاق في القارة الأوروبية، كما قد تسفر عن زعزعة أسس النظام العالمي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة الأمريكية، وعن تمهيد الطريق أمام قيام نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، يكون لروسيا، ولحليفتها الصين، دور فاعل فيه. وتقدم أوكرانيا نموذجاً جديداً من الحروب لما بعد الحرب الباردة، حيث تشكل محوراً هاماً في الصراع الدائر بين القوى الكبرى (روسيا، الإتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة الأمريكية)، إذ أن لكل من هذه القوى أوراق ضغط توظفها في هذه الأزمة، لكن وبمنتهى الصدق فإن الحرب فاجأت الأوروبيين اكثر من غيرهم ، بل انها بدت وكانها عارية ليس فقط امام روسيا ولكن أيضا الضغوط الامريكية التي استغلت لحظة العرى الأوروبي لتعظيم مكاسبها.

ربما كانت تلك المفارقات هي التي جعلت الأوروبيين واقصد هنا الشعوب وليس الحكومات يحاولون فك شفرة تلك المعادلة. ووجدنا تغيرات كبيرة ومياه كثيرة جرت من تحت الجسور ، وبين امس كان فيه الأوروبيين يتحدثون برفاهية عن مستقبل أوكرانيا ، واليوم بعد ان ذاقوا وبال مواقفهم بدوا وكانهم استفاقوا من اوهامهم التي زينها لهم قادتهم ، وحانت ساعة الحساب ، وكانت بادية بقوة في نتائج الانتخابات في بعض الدول الأوروبية التى كانت تقاد من واشنطن،

وكانها لعبة دومينو تتساقط احجارها بالتوالي ، ففي سلوفيكيا التي كلنت تمثل راس الحربة بالنسبة لاوكرانغ ، فاز حزب الديمقراطية الاجتماعية السلوفاكي، وهو من اشد المؤيديين لوقف المساعدات العسكرية لأوكرانيا ، بل انه وينتقد مواقف الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي في تلك الأزمه. وتعهد زعيم الحزب رئيس الوزراء السابق روبرت فيتسو ، بأن سلوفاكيا لن ترسل "قطعة ذخيرة واحدة" إلى أوكرانيا ودعا إلى تحسين العلاقات مع روسيا. وبعدها بساعات قال رئيس الوزراء البولندي ماتيوش مورافيتسكي إن بلاده توقفت عن تسليح أوكرانيا لكي تركز على تعزيز قوتها الدفاعية الخاصة، ويأتي ذلك بعد ساعات قليلة من استدعاء وارسو السفير الأوكراني وسط خلاف بين البلدين بشأن صادرات الحبوب.

وبولندا كانت في طليعة الدول الداعمة لأوكرانيا ومن أبرز مزوديها بالأسلحة منذ بدأ الغزو، كما أن بولندا تستضيف نحو مليون لاجئ أوكراني استفادوا من مختلف أنواع المساعدات الحكومية.

في موضع اخر ، فان بلجيكا وهولندا اللتان قدمتا إلى أوكرانيا المساعدات على الصعيدين العسكري والإنساني، فقد اظهرت استطلاعات الرأي الشعبية رفض المواطنين لحرب أوكرانيا، ويعود ذلك إلى أزمة إمدادات الطاقة والتضخم وارتفاع الأسعار، كذلك تنامى القلق حول متطلبات الأمن والدفاع الأوروبية.. وهذا المصير نفسه تواجهه فرنسا وأيضا المانيا.

على كل حال فان ضبابية المشهد تحجب الرؤية لدى الجميع ، المنتظرين منهم لجنى ثمار التأييد ، والخائفين من المجهول من ان تتدحرج الازمة الى حرب عالمية. وتبقى الحقيقة الوحيدة ، ان صراع المصالح حر وتلك هي الطبيعة، اما صراع السلاح فهو مقيد وهذا شرط البقاء. فهل استفاق الغرب من غيبوبته ؟

 



تواصل معنا